يُحكَى أنَّه كان يوجد طفلٌ يُدعَىٰ شهاب، كان شهابٌ وحيدًا طيلة حياته، لا يمتلك رفقةً، يرَى جميع من حوله يمتلكون رفقةً وهو لا.
كان ذلك يحزنُه كثيرًا، ما الذي يمتلكُه الآخرون وهو لا يمتلكه؟ ودَّ ولو ليومٍ واحدٍ فقط أن يمتلك رفيقًا، يتكئُ عليه ويكون سنده ورفيق دربه وملجأ أحزانه، لكن للأسف لا يوجد.
يذهب إلى مدرسته بمفرده ويعود منها أيضًا بمفرده، يظلُّ دائمًا يتحدَّث مع نفسه؛ حتى ظنَّت عائلته أنه مجنونٌ.
ذات يوم كان عائدًا من مدرسته، رأى صديقين يتشاجران ويسبُّ كلاهما الآخر، ثم قام أحدهما بضرب الآخر ضربًا مبرحًا بعصاة غليظةٍ، ومن ثَمَّ كرَّ مسرعًا.
نظر شهابٌ إلى ذلك الشاب المستلقِي على الأرض نظرةً حزينةً، ثم ذهب في تجاهه وقام بمد يده له قائلًا: هيَّا قف ولا تبكي؛ فالبكاء للضعفاء فقط.
وقف حمزةٌ وكان يشهق ويبكي كثيرًا.
احتضنه شهابٌ وهو ينظر له نظرة أسى وحزن قائلًا: كفاكَ بكاء يا عزيزي، من ذلك الشاب الذي كان يُبرحكَ ضربًا؟
نظر حمزةٌ إلى الأرض ثم قائل بحزن: إنَّه صديقي الأوحد، ورفيق دربي.
-ما الذي حدث لذلك الشجار كله؟
= كنَّا نتشاجر عَن مَن هو أقوى منَّا، ومن يستطيع أن يبرحَ الآخر ضربًا يُهلكه، لكنه تناسى عن كوننا رفقةً وفضَّل الربحَ على صديقه.
نظر إليه شهاب قائلًا: جشعُ الفوزِ أعماه عنكَ، حتى أنه لم يئنِ لبكائِك! هل يمكنكَ أن تكون صديقًا لي؟ أعدكَ ألَّا أترككَ، أنا لا أمتلك أي رفقة.
رقَّ قلب حمزة، فقال: أعلنتُ من اليوم بأنني رفيقٌ لكَ.
تطوَّرت صداقتهما كثيرًا، وشعر شهاب براحةٍ كبيرةٍ؛ لأنه وأخيرًا وجد شخصًا ما ليكون بِئْرَ أسراره، لكن تمرُّ الأيام ويلاحظ شهاب أنَّ حمزةَ يتدرجُ في الابتعاد عنه، وهذا يقلقه كثيرًا؛ فهو خائفٌ أن يعود وحيدًا مرة أخرى.
-حمزةٌ، هل يوجد شيءٌ تخفيه عنِّي؟
= لا يوجد شيءٌ، اطمئن.
-أشعر بوجود شيءٍ ما، هيّا أخبرني.
تنهد حمزةٌ قائلًا بحزن: إنني أشتاق لمحمدٍ كثيرًا، أريده أن يعود لي، وأن نكوِّن ثلاثَتَنا رفقة.
ردَّ شهابٌ بغضب: أسَتَتَنَاسى أنه كان سببًا في معاناتك وأحزانك وبكائك؟
=لكن...
-ليس هناك لكن يا حمزة، من يؤذينا نبتعد عنه، لم نخلق نحن من حديد، نحن بشرُ، والبشر تنفذ طاقتهم.
بعد ذلك اليوم قرَّر شهابٌ أن يكذب كذبةً كانت في نظرته كذبة طفيفة، لكنها بالكاد دمَّرت العلاقة التي بين هذين الرفيقين.
في يومٍ ما كان حمزة يلاحظ على وجه شهاب علاماتِ الضيق، ولا يعرف ما هو السبب.
-شهاب، أيوجد مشكلة حدثتْ معك؟
=لا، لا يوجد شيء..ليتنهد قائلًا: في الحقيقة أملك رسالة من محمد إليكَ.
ابتسم حمزة بفرحة قائلًا: وما مضمون تلك الرسالة؟
أعطى شهاب لحمزة الورقة، ليفتح حمزة الورقة ويقرأ ما بداخلها.
«مرحبًا حمزة، يا صديقي الأَبْلَهُ، أريد أن أقول لكَ أنني لم أحبك قط، وأنني أُكِنُّ لكَ حقدًا وكرهًا لن تستطيع أن تخمِّن مقداره، وأنا أيضًا أقوى منك بُنيانًا، وداعًا يا هذا.»
«من محمد»
طوىٰ حمزة تلك الورقة مرة أخرى والدموع تسقط من عينيه بغزارة، أيعقل أنَّ رفيقَ دربه يكرهُهُ لتلك الدرجة؟
احتضن شهاب حمزةً قائلًا: لا تقلق، أنا أحبكَ وسأظل معكَ إلىٰ آخر الدهر.
=أتمنى ذلك.
رحل شهاب تاركًا حمزة والبسمة تعتري وجهه، وأخيرًا لقد ضمِن وجود صديقه بجواره، لا يهم ما هي النتائج الذي ستحدث بين حمزةٍ ومحمدٍ، لكن كل ما يهمه هو وجود صديق بقربه.
مرت عدة أيامٍ وها هو شهابٌ عائد إلى المنزل، وذهب ليستمع إلى المذياع، كانت المذيعة تتحدث عن الصدق، وما المترتب على أن يكون الشخص صادقًا.
أحسَّ بنغزةٍ في قلبه، وأنَّه كان مخطئًا في ما بدَرَ منه قبل.
أغلق المذياع ثمَّ ذهب في تجاه والدته قائلًا: أمي، حدثيني عن الصدق.
ابتسمت الأم قائلة: الصدق هو مفتاح الصداقة الحقيقية يا بني، هو مُنجيكَ من الكذب، ألم تستمع إلىٰ القصة التي أهدى فيها الملك كنزًا إلى طفلٍ؟ وذلك لأنه كان صادقًا في أقواله وأفعاله.
إنَّ رسولنا أمرنا أنْ نتحلى بالصدق، ونهانا عن الكذب، بدون الصدق لم يكن هناك ترابطٌ بين الأشخاص ولم يكن العالم كما هو الآن، فإن كذب كلٌ منَّا على الآخر؛ ستتفكك تلك الصداقة أو الأخوة أو حتى الأسرة، وسينهار مجتمعنا.
=حسنًا، إن أراد ذلك الكاذب أن يكفر عَمَّ فعله من كذب، فماذا يفعل؟
-عليه أنا يُبادر في قول الحقيقة؛ فالكذب أحيانًا من الممكن أن يؤدي إلى إزهاق نفوسٍ بريئة.
قبَّل شهابٌ رأس والدته ثم خرج من المنزل قاصدًا منزل محمد، يردِّدُ: سأصلح ما بدر منِّي بقصد.
ذهب شهابٌ إلى حمزة، وكان يصطحبُ محمدًا معه، وقف محمد أمام حمزة وكان ينظر له بأسف، ليبادره الآخر بحزن.
شهاب: حمزة أودُّ أن أخبرك شيءٌ.
-تفضَّل.
=في الحقيقة ذلك اليوم الذي أعطيتك فيه رسالة من محمدٍ، لم يكن هو من قام بكتابتها، بل أنا من فعلتُ ذلك، أعمتني رغبتي الشديدة في أن يكون لي صديق، ولم أجد سواك صديقًا لي، وعندما شعرتُ بأنك ستبتعد عني كتبتُ تلك الأكذوبة التي أنهت صداقتكما، الحقيقة أنَّ محمدًا أرسل معي مرسالًا يعبر فيه عن أسَفِه، وأنَّ الأصدقاءَ الحقيقيين لا يتشاجرون على أشياءٍ سخيفةٍ كهذه.
احتضن حمزةٌ محمدًا قائلًا: لقد كانت أيامي موحشة بدونك، إنني أفقتقدك يا صديقي العزيز.
نظر كلاهما لشهاب قائلين: عليك دائمًا أن تبادر في قول الصدق، وألّا تكذب أبدًا.
-وأنا أعدكما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق